درس الاستقراء في مادة الفلسفة للسنة الثالثة ثانوي
مفهوم الاستقراء:
لغتا:مصدره استقرى
استقريت يستقري وإستقرأ الأمر أي تتبعه لمعرفة أحواله
أَمَّا عِنْدَ المنطقين فهو انتقال الفكر إِلَى الحكم عَلَى
النوع بِمَا ثبت فِي بَعْضِ أفراد النوع وَهُوَ قسمين تام وناقص
-الاستقراء الناقص:ينطبق عَلَيْهِ التعريف السابق وَهُوَ المراد
من الاستقراء.نتائجه ظنية لأنه يتناول البعض ويحكم عَلَى الكل
مثال :النحاس ناقل للكهرباء والذهب كذلك والحديد والفضة
والرصاص كذلك إذن كل المعادن ناقلة للكهرباء
-الاستقراء التام :وَهُوَ الَّذِي ينتقل الفكر فِيهِ من ملاحظة
صفة فِي أفراد مجموعة بأكملها إِلَى الحكم عَلَى هَذِهِ المجموعة نفسها .ويمتاز بِأَنَّ نتائجه
يقينية لأنه يتناول الكل ويحكم عَلَى الكل
التعرف عَلَى الاستقراء إجرائيا :
والمقصود بِهِ التعرف عَلَى الاستقراء إجرائيا
1-الملاحظة:هِيَ مشاهدة الظواهر عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي الطبيعة
ويشبهها كلود برنارد بآلة التصوير الَّتِي تنقل الصورة كَمَا هِيَ موجودة
وَهِيَ نوعان:ملاحظة عامية بسيطة تمتاز بكونها ساذجة وعفوية
لَا تربط بَيْنَ الظواهر ربطا إشكاليا وَلَا تبحث عَنْ عللها مثل ملاحظة الرجل العادي
لشروق الشمس فَإِنَّها تحمل نوعا من المتعة الخالية مِنْ أَيِّ بعد علمي
ملاحظة علمية :تمتاز بكونها مقصودة هادفة إشكالية تثير
تفكير الباحث وتدفعه للكشف عَنْ خصائص الظواهر وعلاقاتها الخفية وعللها تنتهي بطرح
تساؤل “لِمَاذَا”
الفرضية:هِيَ إجابة مؤقتة عَنْ السؤال الَّذِي تطرحه الملاحظة
يضعها العالم إِلَى حِينِ التَأَكُّد مِنْهَا أَوْ نفيها.وَحَتَّى لَا تكون الفرضية ذاتية ومعرقلة
للبحث العلمي فوجب أن تتوفر عَلَى شروط تضبطها حددها جابر بن حيان فِيمَا يلي:
-يَجِبُ أن تكون قابلة للتحقيق وَعَلَى العالم أن يفترض مَا هُوَ
ممكن لَا مَا هُوَ مستحيل
-يَجِبُ أن تكون مرتبطة بواقع الظاهرة لَا بتصوراتنا المسبقة
التجربة: هِيَ إعادة الظاهرة الطبيعية وتكرارها بطرق
اصطناعية مخبرية مِنْ أَجْلِ الإجابة عَنْ سؤال
الملاحظة والتحقق من جواب الفرضية بالتأكيد أَوْ النفي
ويلخص كلود برنارد هَذِهِ الخطوات بقوله<إن الملاحظة
تؤدي إِلَى الفكرة والفكرة تقود إِلَى التجربة وتوجهها والتجربة تحكم بدورها عَلَى الفكرة>
وهناك من يضيف خطوة القانون وَهُوَ صياغة نتيجة التجربة
صياغة رياضية تعبر عَنْ علاقات ثابتة تحكم الظواهر كَمَا يؤكد ذَلِكَ أوغست كونت
قواعد الاستقراء: وَهِيَ قواعد حددها الفيلسوف الإنجليزي
جون ستيوارت ميل وَهِيَ:
-طريقة التلازم فِي الحضور :ويعبر عَنْهَا بِهَذَا الشكل:إِذَا
وجدة العلة وجد المعلول بالضرورة فَإِذَا بلغة الحرارة درجة100(علة) يغلي الماء
بالضرورة(المعلول)
طريقة التلازم فِي الغياب :وصيغتها إِذَا غابت العلة غاب
المعلول بالضرورة فَإِذَا غابت السحب توقف المطر بالضرورة
-طريقة التلازم فِي التغير :وصيغتها كل تغير فِي العلة
يؤدي ضرورة إِلَى تغير فِي المعلول
طريقة البواقي:وتفيد أن لِكُلِّ ظاهرة علة وَلَا يمكن أن تكون
علة واحدة لظاهرتين فِي الوقت نفسه
-طريقة الجمع بَيْنَ التلازم فِي الحضور والتلازم فِي الغياب
:وَهِيَ تقوم عَلَى الجمع بَيْنَ الطريقتين الأُوْلَى
والثانية
وَحَسَبَ واضع هَذِهِ القواعد فَإِنَّها تمكننا من الاستغناء عَلَى
إحْدَى خطوات الاستقراء الغير متفق حولها وَهِيَ الفرضية
كَيْفَ يمكن للفكر أن ينطبق مَعَ
الواقع وَهُوَ يأخذ بأحكام مسبقة:
إن الملاحظة العلمية وكونها
تستند عَلَى مشاهدة الظاهرة كَمَا هِيَ كَمَا هُوَ شأن آلة التسجيل عِنْدَ رصدها للصور فَإِنَّها
تفترض عدم إدخال الأحكام المسبقة والأولية لكن واقع الممارسة العلمية يثبت أن
العالم غَالِبًا مَا ينطلق وَهُوَ مؤمن مسبقا بمبادئ كلية مجردة غير مثبتة علميا
مثل:الحتمية،السببية، واطراد الحوادث فَكَيْفَ السبيل إِلَى إزالة هَذَا التعارض
1الإنطباق يستبعد الأحكام
المسبقة
-طبيعة الأحكام المسبقة ومصدرها:
إن الأحكام المسبقة هِيَ جملة الآراء والتصورات الَّتِي
يحملها العقل عَنْ الأشياء والأشخاص والظواهر عَلَى نَحْوَ أولي دُونَ أَنْ تكون مقرونة بوقائع تجريبية تؤكدها
ومصدرها فِي الغالب التفسير الميتافيزيقي والغيبي المنتشر فِي المجتمع بالإِضَافَةِ إِلَى
الطباع والأهواء الشخصية
-دورها السلبي فِي أعاقة البحث العلمي :إن الأحكام
المسبقة تشكل تهديدا لموضوعية البحث العلمي لأنها تؤدي إِلَى تغليب الباحث لَهَا وَهُوَ
مَا يوقعه فِي الذاتية فتصبح الحقيقة العلمية ليست مستمدة من الموضوع بَلْ متخيلة مسبقا
من الذات وَهُوَ مَا يعطل الوصول إِلَى الحقيقة العلمية الموضوعية والدليل عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ
فرنسيس بيكون هُوَ أن العصر الوسيط الَّذِي كَانَ مصحوبا بمثل هَذِهِ الأحكام لَمْ يعرف أي
تطور حَتَّى جاء الفكر العلمي الجديد الَّذِي قطع الصلة مَعَ الأحكام المسبقة وتجاوزها إِلَى
أحكام موضوعية مكتسبة من التجريب وَهُوَ مَا ساهم فِي الثروة العلمية الحديثة وَقَد قسم
كونت مراحل تطور الفكر الإنسان إِلَى ثلاث محطات منفصلة هِيَ مرحلة التفكير اللاهوتي
الَّذِي يفسر الظواهر بقوى غيبية مفارقة لَهَا ثُمَّ التفكير الميتافيزيقي الَّذِي يفسر الظواهر بقوى غبية مخالطة لَهَا وَهُمَا مرحلتين لَمْ يتطور
فيهما العلم لأخذه بالأحكام المسبقة اللاهوتية والميتافيزيقية ثُمَّ مرحلة التفكير
الوضعي الَّذِي يسفر الظواهر بشروطها المادية مِنْ خِلَالِ التجربة مَعَ استبعاد جميع
الأحكام الأولية ويسمي كونت هَذِهِ المرحلة بمرحلة اكتمال الفكر العلمي الوضعي
الأحكام القبلية مبادئ ضرورية فِي الفكر العلمي : ويتجلى
ذَلِكَ فِي الأسس العقلية فِي العمل التجريبي وَالَّتِي تمثلها جملة من المبادئ يلتزمها
الباحث كضرورة منهجية دون محاولة التوثق مِنْهَا تجريبيا مِنْهَا :
مبدأ السببية (العلية):وفحواه أن لِكُلِّ ظاهرة سبب أَوْ علة
تحدثها
مبدأ الحتمية :وفحواه أن نفس الشروط تؤدي حتما إِلَى نفس
النتائج
مبدأ اطراد الحوادث: ويعبر هَذَا المبدأ عَنْ التتابع
والتتالي المتكرر بَيْنَ الظواهر الطبيعية ومِنْهُ فمبدأي السببية والاطراد مترابطان
فكما أن العلاقة ضرورية بَيْنَ العلة والمعلول فِي العقل قبل التجربة فَإِنَّ
الاعتقاد بمبدأ اطراد الظواهر فِي الطبيعة
اعتقاد راسخ لِأَنَّ إنكاره يؤدي إِلَى القول بالفوضى وعدم الانتظام فِي الطبعة لكن إرادة
الخالق الحكيم جعلت الطبيعة تسري وفق قانون ثابت ومنظم
كَيْفَ نظمن وِفْقًا لِهَذَا الأسلوب المنطقي الوصول إِلَى الحقيقة؟
أولا الوصول إِلَى الحقيقة بضمان من عقلنة الظواهر:
وعقلنة الظواهر بناء عَلَى المبادئ المسبقة المشكلة للإطار
المنطقي للفكر تَتَمَثَلُ أساسا فِي إجرائي الافتراض والتقنين
1-مشروعية الافتراض:رَغْمَ أَنَّ البعض يشيع عَنْ نيوتن أَنَّهُ ينكر الفرضية انطلاقا من تأويل قوله<إني لَا
أصطنع الفروض> وجعله دليلا عَلَى عدم مشروعية الفرض كخطوة فِي المنهج التجريبي إلَّا
أن الفحص المدقق للنص الَّذِي وردت فِيهِ هَذِهِ العبارة يدل عَلَى أن نيوتن يجعل الفرض أنواعا وَلَيْسَ نوعا
وَهُوَ يرفض مِنْهَا نوعا واحدا وَهُوَ مَا لَمْ يستنبط من الظواهر المشاهدة أَوْ التجربة وَلَيْسَ
فِيهِ سبيل إِلَى التحقق مِنْهُ تجريبا لأنه ميتافيزيقي بَيْنَمَا يقبل بالأنواع الأخرى
الواقعية والمستنبط من واقع الحادثة كَمَا يؤكد برنارد عَلَى مشروعي الفرض كذلك فيقرر بِأَنَّ الفرض
العلمي هُوَ المنطلق الضروري لِكُلِّ استدلال تجريبي فلو لَا الفروض لما استطاع العالم أن
يجرب وَهُوَ مَا قصده حين قَالَ” إن الملاحظة توحي بالفكرة والفكرة تقود إِلَى
التجربة وتوجهها والتجربة تحكم بدورها عَلَى
الفكرة” ومِنْهُ فغياب الفكرة وَالَّتِي هِيَ الفرضية يؤدي إِلَى غياب التجربة وهنا
بالذات تبرز قيمة الفرضية من حَيْتُ أن الباحث يستوحي صورة التجربة و إعادة تكرار
الظاهرة اصطناعيا من الفرضية و بتالي فَلَا مجال للاستغناء عَنْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يؤدي ضرورة
إِلَى الجهل بالتجربة وَالَّتِي تعد عماد المنهج التجريبي كَمَا يقول برنارد”إن
التجريب هُوَ الوسيلة الوحيدة الَّتِي نملكها لنطلع عَلَى طبيعة الأشياء”
2-القانون
كصياغة للحقيقة العلمية :
الصياغة
القانونية هِيَ محصلة للخطوات المنهجية للمنطق الإستقارئي تضم نَتَائِج البحث مصاغة
صياغة رياضية تعبر عَنْ علاقات ثابتة تعبر عَنْ الحقيقة العلمية وهكذا تبدو لغة
الرياضيات الدقيقة كضامن لصدق القوانين العلمية وتصبح عندها الرياضيات لغة جميع
العلوم أَوْ لغة للعلم بصفة عامة ويعد القانون غاية العمل التجريبي وهدفه النهائي
الوصول
إِلَيْهَا بضمان من انتظام الظواهر
إن
انتظام الظواهر المؤطر بالمبادئ الأُوْلَى للفكر السابقة عَنْ التجربة يكسب مفهوم
الحقيقة مشروعيته وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ إجرائي التعميم والتنبؤ:
أ-قابلية
االتعميم : والتعميم هُوَ تعميم لنتيجة التجربة عَلَى جميع الظواهر المماثلة فلسنا فِي
حاجة إِلَى دراسة كل الظواهر فِي المكان بَلْ يكفي أن نقوم بالدراسة عَلَى مجموعة من
الظواهر فِي هَذَا المكان لكي نعمم الحكم عَلَى جميعها
قابلية
التنبؤ فِي الزمان: حَيْتُ أن الإقرار بمبدأ الحتمية القائل نفس الشروط تؤدي حتما إِلَى
نفس النتائج يجعل العالم يتنبأ بمستقبل الظواهر قبل أن تقع بالرغم من مِمَّا تحويه من
إحتمال كَمَا هُوَ الشأن فِي الأرصاد الجوية
هل
انطباق الفكر مَعَ الواقع يمنع انطباق الفكر مَعَ نفسه
عَنْ الموقع
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا anasd